محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب يعتبره المسلمون رسول الله للبشرية كافة ليعيد الناس لتوحيد الله وعبادته على ملة إبراهيم، ويؤمنون بأنه خاتم النبيين والرسل.[1][2][3]. عند ذكر اسمه، يُلحِق المسلمون عبارة صلى الله عليه وسلم لما جاء في القرآن والسنة النبوية مما يحثهم على الصلاة عليه،[4] ويزيدها بعضهم صلى الله عليه وآلهإتباعًا لما ورد في عدد من الأحاديث، وكذلك يضيف المسلمون السنة الصلاة على أصحابه احيانا.
ولد في مكة في شهر ربيع الأول من عام الفيل [5][6] قبل ثلاث وخمسين سنة من الهجرة، ما يوافق سنة 570 ميلادياً و 52 ق هـ.[7] وبعض المصادر تقول أنه ولد عام 571م [8] ولد يتيم الأب وفقد أمه في سن مبكرة فتربى في كنف جده عبد المطلب ثم من بعده عمه أبي طالب حيث ترعرع، وفي تلك الفترة كان يعمل بالرعي ثم عمل بالتجارة. تزوج في سن الخامسة والعشرين من خديجة بنت خويلد وأنجب منها كل ذريته باستثناء إبراهيم. كان حنيفياً قبل الإسلام يعبد الله على ملة إبراهيم ويرفض عبادة الأوثان والممارسات الوثنية. يؤمن المسلمون أن الوحي نزل عليه وكُلّف بالرسالة وهو ذو أربعين سنة، أمر بالدعوة سراً لثلاث سنوات، قضى بعدهن عشر سنوات أخر في مكة مجاهراً بدعوة أهلها وكل من يرد إليها من التجار والحجيج وغيرهم. هاجر إلى المدينة المنورة والمسماة يثرب آنذاك عام 622 وهو في الثالثة والخمسين من عمره، بعد أن تآمر عليه سادات قريش ممن عارض دعوته وسعى إلى قتله؛ فعاش فيها عشر سنين أخر داعياً إلى الإسلام، وأسس بها نواة الحضارة الإسلامية، التي توسعت لاحقاً وشملت مكة وكل المدن والقبائل العربية، حيث وحَّد العرب لأول مرة على ديانة توحيدية ودولة موحدة، ودعا لنبذ العنصرية والعصبية القبلية.[9][10]
مصادر سيرته
كونه شخصية لها تأثير كبير في التاريخ؛ فإن حياة محمد وأعماله وأفكاره قد تم مناقشتها على نطاق واسع من جانب أنصاره وخصومه على مر القرون، وأهم مصادر كتابة سيرته.
القرآن
القرآن مصدر أساسي للمعرفة حول سيرة النبي. وإن كان القرآن لم يتناول كل سيرة محمد باستفاضة،[11] حيث ذكر فيه فقط بعض المواقف والأحداث وبعض صفاته وشمائله في عدة مواضع منه؛ فمثلا اشتملت سورة الأحزاب تفاصيل من سيرة محمد مع أزواجه وأصحابه كما تضمنت تفاصيل كثيرة عن غزوة الأحزاب.[12] بحسب رأي بعض الباحثين، القرآن يستمد منه ملامح حياة محمد، فقد تعرض لنشأته وأخلاقه وكفاحه في دعوته وأهم المعارك التي شارك فيها ومعجزاته، وغيرها من الأحداث والوقائع، وإن كان لم يتعرض لتفاصيل هذه الوقائع بل تعرض لها إجمالاً وذلك للتركيز على العبر والعظات المستخلصة من الأحداث.[13][14] يقول ألفورد ولش إن « القرآن يستجيب باستمرار وبصراحة في كثير من الأحيان إلى الظروف التاريخية المتغيرة لمحمد ويحتوي على ثروة من البيانات المخفية».[15] ويعد القرآن أقدم وأوثق مصادر السيرة النبوية، فهو يرجع إلى عصر محمد نفسه، كما يتفق المسلمين كافة على مدى العصور على نسخة واحدة منه رغم اختلاف المذاهب والفرق الإسلامية.[13][14][16]
كتب السيرة والحديث
يلي القرآن في الأهمية كتب المغازي والسير والطبقات التي كتبت في القرنين الثالث والرابع الهجريين[17]. وتحتوي كتب السير والمغازي بأنواعها على الروايات التاريخية حول حياته وأقوال ومعجزات منسوبة إليه، وتوفر المزيد من المعلومات عن حياته الشخصية.[18] وفقاً لبعض الباحثين، كانت هناك محاولات قديمة لتدوين السيرة النبوية كان من روادها عروة بن الزبير(توفي 92هـ) وأبان بن عثمان(توفي 105هـ) ووهب بن منبه (توفي 110هـ) وغيرهم، لكن أعمالهم بادت واندثرت بسبب سياسة منع تدوين التاريخ التي كانت سائدة في عصور الخلافة الراشدة وأغلب العصر الأموي، وإن روى الطبري بعضها.[13][19][20] من ثم يعد أقدم كتب السيرة هو السيرة النبوية لابن إسحاق (توفي 152هـ)، حيث ألف كتاب السيرة النبوية. النسخة الأصلية منه مفقودة، ولكن أعاد كتابتها ابن هشام (توفي 213هـ أو 218هـ) في كتابه تهذيب السيرة الذي جمعه بناء على روايات من شيخه البكائي عن ابن إسحاق، كما اعتمد الطبري (224هـ : 310هـ) على أخبار رويت عن ابن إسحاق بشكل أساسي في الجزء الخاص بالسيرة النبوية من كتابه تاريخ الطبري.[11][13] مصدر آخر ظهر في وقت مبكر هو المغازي لمحمد بن عمر الواقدي (130 : 207 هـ)، وعمل تلميذه ابن سعد البغدادي (توفي 230 هـ) والمسمى بالطبقات الكبرى.[17] الكثير من الباحثين تعاملوا مع هذه السير كمصدر صحيح، على الرغم من كون دقتها غير مؤكدة.[11] لاحقاً عمل الباحثين على التمييز بين الأساطير والروايات الدسيسة والمكذوبة من جهة والروايات التاريخية البحتة من جهة أخرى.[21]
بالإضافة إلى السير، هناك كتب الحديث وبها روايات عن أقوال وأفعال محمد منقولة عبر سلسلة من الرواة عبر عدة أجيال بعد وفاته. وهي ذات قيمة مقدسة لدى المسلمين فيعتبرونها المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي. وظهرت علوم مختلفة للتأكد من وثوقية الحديث لكي يأخذ به المسلمون كمصدر للشريعة. بعض الأكاديميين الغربيين يعتبرون الأحاديث مصدراً دقيقاً للمرويات التاريخية.[22][23] على سبيل المثال ويلفرد مادلونغ الذي لا يرفض الروايات التي ظهرت في فترات بعيدة زمنياً عن حياة محمد، ولكن يقيمها من خلال تناسقها في السياق التاريخي، وعلى أساس مدى توافقها مع الأحداث والشخصيات.[24] بينما استخدم معظم المؤرخين المسلمين القدامى طريقة السند لتوثيق الروايات سواء في كتب التاريخ والسيرة أو كتب الحديث. وتعتمد تلك الطريقة على نسب كل رواية لراويها ومن رواها عنه وهكذا إلى أن تصل سلسلة السند لشخص كان يعيش في زمن محمد، فتكون الرواية صحيحة إذا كان سندها صحيحا وهو ما يعتمد على ثقة المؤرخ في كل راوٍ من سلسلة الرواة.[16] بداية من القرن الخامس الهجري -تقريباً- توقفت الرواية في السنة والسيرة النبوية بالإسناد حيث صارت المؤلفات تغفل الإسناد، ويرجع المصنفون إلى الكتب والمؤلفات بدلاً من التلقي المباشر من الرواة والشيوخ، وصار الإسناد إلى الكتب والإجازة.[20] على أن التدوين المتفرق للأحاديث قد حصل في فترة الصحابة والتابعين الذين ارتأوا الرخصة في ذلك. من تلك المحاولات -لأهل السنة- صحيفة همام بن منبه تلميذ أبو هريرة والتي كتبت في منتصف القرن الأول للهجرة، السابع الميلادي؛ واحتوت 114 حديث.[25] الصحيفة الأصلية غير موجودة، لكن نقلها بعض المؤرخين مثل الذهبي عبر سلسلة من الرواة، ويوجد الآن نسخ مخطوطة عنها.[26] ويُعتقد أن بعض الأحاديث الواردة في هذه الصحيفة نقلت كما هي إلى صحيحي البخاري ومسلم.[27] ومن الكتب الشيعية كتاب سليم بن قيس (توفي 76 هـ) وهو تلميذ علي بن أبي طالب، يوجد عدة نسخ منه وهناك اختلاف حول صحة تلك النسخ.
هناك كذلك أنواع أخرى من المصادر؛ مثل كتب تفسير القرآن وأسباب النزول، ذلك أن رجال الدين الإسلامي يعتمدون على شرح القرآن بشكل أساسي على تفسيرات القرون الإسلامية الأولى، بما في ذلك الآيات التي تتناول حياة محمد. ومن أمثلتها تفسير ابن كثير وتفسير الطبري وتفسير ابن الجوزي.[28].
كذلك كتب الدلائل والشمائل. فكتب دلائل النبوة تحتوي على معجزات محمد التي تدل على نبوته حسب التراث الإسلامي، أما كتب الشمائل فتركز على صفاته وأخلاقياته، وذلك كله بالاستناد إلى أحاديث ومرويات تاريخية مختلفة، مما يكسب هذه الكتب أهمية كبيرة في دراسة حياة محمد. إضافة إلى كتب التاريخ التي تتناول التاريخ بشكل عام وتتطرق إلى السيرة النبوية كتاريخ الطبري وتاريخ ابن خلدون وغيرها.[28]
الشعر العربي المعاصر له
المقصود به هو رد الشعراء المسلمين على أعدائه عندما هوجم وهوجمت رسالته عن طريق شعرائهم فرد المسلمين على ألسنة شعرائهم [29]
مصادر غير عربية
أقدم المصادر اليونانية حول سيرة محمد هو الكاتب ثيوفانس في القرن التاسع الميلادي. وأقدم المصادر السريانية هو كاتب القرن السابع جون بار بينكاي[30] مع وجود خمسة كتبة آخرين لاتزيد فترة ذكرهم للنبي عن ثلاثين عام من وفاته[31].
خلفية تاريخية
كانت شبه الجزيرة العربية في تلك الفترة في حال لا مركزية في السلطة؛ فقبيل الإسلام انهارت ثلاث ممالك عربية قديمة هي مملكة حمير (525م) ومملكة الغساسنة (583م) ومملكة المناذرة (609م). وكانت كل واحدة منهم فيما سبق تؤلف دولة تحكم أراضيها وتمد سيطرتها على مناطق أخرى بواسطة قبائل تحكمها بشكل مباشر. ويهدف استتباع هذه القبائل تأمين طرق شبكة التجارة العربية -والتي كانت الشريان الأساسي لاقتصاد الجزيرة العربية- من قطاع الطرق أو إغارة القبائل الأخرى، والتي لم تكن تنظر لهذا للإغارة على غيرها من القبائل والقوافل بأنه جريمة،[32][33] بل فخر لهم حيث يحصل قاطع الطريق على المال لأهله وعشيرته من قوم لاتربطه بهم صلة دم أو دين.[بحاجة لمصدر] وتشترك القبائل المحكومة من قبل تلك الدول مع هذه الدول في حروبها وفي المقابل توفر هذه الدولة الحماية للقبائل. فكان سقوط هذه الدول القوية قبيل قبيل البعثة إيذانا بحالة من عدم الاستقرار والحروب.[34] طبيعة الحكم داخل مجتمعات زمن البعثة كمكة هو النظام العشائري، حيث يتشارك أعيان تلك العشائر القوية في تلك المدينة بالحكم عبر النقاش، وفي حالة مكة فإن هناك مجلس هو دار الندوة يلتقي فيه الأعيان ويناقشون الأمور الداخلية، مثل فض المنازعات بين الأفراد، والأمور الخارجية مثل الحروب، وعقد الأحلاف، وتنظيم التجارة.
كان النسب هو العامل الفصل في مكانة الفرد فمن ولد في عشيرة كثيرة الأنفس، ومنها أعيان المدينة فهو "عزيز" و"منيع" في تعبير ذلك الزمن. أما من كان من عشيرة صغيرة وليس لها أعيان متبعون وفيهم المشورة فهو "حر" ولكنه ليس عزيزا. وهناك الأحلاف وهم بتعبير اليوم "الوافدون"، فكانت مكانتهم أقل من الأحرار؛ فهم إما خلعاء من عشائرهم الأصلية، أو قدموا للإقامة لأسباب أخرى، ويعرفون كذلك بالموالي. أما العبيد فمكانتهم منحطة لا حقوق لهم ويتم استغلالهم للعمل في الأمور التي يأنف منها اصحاب النسب.[35]
اعتمد اقتصاد شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت على شبكة التجارة العربية القديمة، وبالإضافة لذلك فهناك نشاطات اقتصادية متعددة، منها الزراعة التي ازدهرت في بعض المناطق بالرغم من عدم وجود أنهار دائمة في الجزيرة العربية، فاستعمل العرب قديما أنظمة السدود وقنوات الري خصوصا في اليمن وشرق الجزيرة العربية ووادي القرى شمال الحجاز والطائف. وتلك المناطق انتجت اصنافا من الحبوب والفاكهة. أما الزراعة في الأقسام الأخرى من الجزيرة العربية اعتمدت على زراعة نخيل التمر بشكل أساسي. اقتصاد مكة كان متينا؛ حيث كانت مركزاً تجارياً ودينياً هاماً نظراً لمرور القوافل التجارية القادمة من الشمال والجنوب بها، وترجع أهميتها الدينية لوجود الكعبة المقدسة فيها، والتي يفد إليها الحجاج كل عام مما كان يساعد على الازدهار الاقتصادي كذلك.[36].
ومن الناحية الدينية كانت الوثنية منتشرة في جزيرة العرب، حيث كانوا يعبدون آلهة يمثلونها في أصنام وأحيانا بالأشجار والحجارة والينابيع والآبار.[37] وفضلاً عن كونها مقصد رحلة الحج السنوية، كانت الكعبة في مكة مصفوف حولها 360 من تماثيل الآلهة المعبودة من قبل القبائل العربية المختلفة. وإلى جانب هذة الآلهة، كان العرب يشتركون في الاعتقاد بالألوهية العليا لله،[بحاجة لمصدر] لكنهم لا يتوجهون إليه بالعبادة أو الطقوس الدينية اليومية[بحاجة لمصدر]. ثلاثة آلهة اعتبرها العرب بنات الله وهن: اللات والعزى ومناة، اعتبرها العرب الوثنيون أعظم الآلهة، وتوجهوا إليهم بالصلوات والعبادات والقرابين. تواجدت أيضا الديانات التوحيدية في المجتمعات العربية بما في ذلك المسيحية واليهودية، وتركز تواجدها عند عرب العراق والشام، وتواجدت كذلك أسقفيات في شرق الجزيرة العربية، مع وجود للمسيحية في وسط الجزيرة العربية؛ إلا أنه لم يكن يضاهي الوثنية المتأصلة هناك. أما في غرب الجزيرة العربية فنجران كانت مركزا مشهوراللمسيحية.[38] الحنفية -وهم جماعة من العرب الموحدين قبل الإسلام على ملة إبراهيم- يصنفوا كذلك إلى جانب اليهود والمسيحيين كموحدين في الجزيرة العربية قبل الإسلام، على الرغم من الخلاف حول وجودهم التاريخي بين بعض الباحثين.[39][40] ووفقاً للتراث الإسلامي، محمد نفسه كان حنيفياً ويرجع نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم.[41]
ولد في مكة في شهر ربيع الأول من عام الفيل [5][6] قبل ثلاث وخمسين سنة من الهجرة، ما يوافق سنة 570 ميلادياً و 52 ق هـ.[7] وبعض المصادر تقول أنه ولد عام 571م [8] ولد يتيم الأب وفقد أمه في سن مبكرة فتربى في كنف جده عبد المطلب ثم من بعده عمه أبي طالب حيث ترعرع، وفي تلك الفترة كان يعمل بالرعي ثم عمل بالتجارة. تزوج في سن الخامسة والعشرين من خديجة بنت خويلد وأنجب منها كل ذريته باستثناء إبراهيم. كان حنيفياً قبل الإسلام يعبد الله على ملة إبراهيم ويرفض عبادة الأوثان والممارسات الوثنية. يؤمن المسلمون أن الوحي نزل عليه وكُلّف بالرسالة وهو ذو أربعين سنة، أمر بالدعوة سراً لثلاث سنوات، قضى بعدهن عشر سنوات أخر في مكة مجاهراً بدعوة أهلها وكل من يرد إليها من التجار والحجيج وغيرهم. هاجر إلى المدينة المنورة والمسماة يثرب آنذاك عام 622 وهو في الثالثة والخمسين من عمره، بعد أن تآمر عليه سادات قريش ممن عارض دعوته وسعى إلى قتله؛ فعاش فيها عشر سنين أخر داعياً إلى الإسلام، وأسس بها نواة الحضارة الإسلامية، التي توسعت لاحقاً وشملت مكة وكل المدن والقبائل العربية، حيث وحَّد العرب لأول مرة على ديانة توحيدية ودولة موحدة، ودعا لنبذ العنصرية والعصبية القبلية.[9][10]
مصادر سيرته
كونه شخصية لها تأثير كبير في التاريخ؛ فإن حياة محمد وأعماله وأفكاره قد تم مناقشتها على نطاق واسع من جانب أنصاره وخصومه على مر القرون، وأهم مصادر كتابة سيرته.
القرآن
القرآن مصدر أساسي للمعرفة حول سيرة النبي. وإن كان القرآن لم يتناول كل سيرة محمد باستفاضة،[11] حيث ذكر فيه فقط بعض المواقف والأحداث وبعض صفاته وشمائله في عدة مواضع منه؛ فمثلا اشتملت سورة الأحزاب تفاصيل من سيرة محمد مع أزواجه وأصحابه كما تضمنت تفاصيل كثيرة عن غزوة الأحزاب.[12] بحسب رأي بعض الباحثين، القرآن يستمد منه ملامح حياة محمد، فقد تعرض لنشأته وأخلاقه وكفاحه في دعوته وأهم المعارك التي شارك فيها ومعجزاته، وغيرها من الأحداث والوقائع، وإن كان لم يتعرض لتفاصيل هذه الوقائع بل تعرض لها إجمالاً وذلك للتركيز على العبر والعظات المستخلصة من الأحداث.[13][14] يقول ألفورد ولش إن « القرآن يستجيب باستمرار وبصراحة في كثير من الأحيان إلى الظروف التاريخية المتغيرة لمحمد ويحتوي على ثروة من البيانات المخفية».[15] ويعد القرآن أقدم وأوثق مصادر السيرة النبوية، فهو يرجع إلى عصر محمد نفسه، كما يتفق المسلمين كافة على مدى العصور على نسخة واحدة منه رغم اختلاف المذاهب والفرق الإسلامية.[13][14][16]
كتب السيرة والحديث
يلي القرآن في الأهمية كتب المغازي والسير والطبقات التي كتبت في القرنين الثالث والرابع الهجريين[17]. وتحتوي كتب السير والمغازي بأنواعها على الروايات التاريخية حول حياته وأقوال ومعجزات منسوبة إليه، وتوفر المزيد من المعلومات عن حياته الشخصية.[18] وفقاً لبعض الباحثين، كانت هناك محاولات قديمة لتدوين السيرة النبوية كان من روادها عروة بن الزبير(توفي 92هـ) وأبان بن عثمان(توفي 105هـ) ووهب بن منبه (توفي 110هـ) وغيرهم، لكن أعمالهم بادت واندثرت بسبب سياسة منع تدوين التاريخ التي كانت سائدة في عصور الخلافة الراشدة وأغلب العصر الأموي، وإن روى الطبري بعضها.[13][19][20] من ثم يعد أقدم كتب السيرة هو السيرة النبوية لابن إسحاق (توفي 152هـ)، حيث ألف كتاب السيرة النبوية. النسخة الأصلية منه مفقودة، ولكن أعاد كتابتها ابن هشام (توفي 213هـ أو 218هـ) في كتابه تهذيب السيرة الذي جمعه بناء على روايات من شيخه البكائي عن ابن إسحاق، كما اعتمد الطبري (224هـ : 310هـ) على أخبار رويت عن ابن إسحاق بشكل أساسي في الجزء الخاص بالسيرة النبوية من كتابه تاريخ الطبري.[11][13] مصدر آخر ظهر في وقت مبكر هو المغازي لمحمد بن عمر الواقدي (130 : 207 هـ)، وعمل تلميذه ابن سعد البغدادي (توفي 230 هـ) والمسمى بالطبقات الكبرى.[17] الكثير من الباحثين تعاملوا مع هذه السير كمصدر صحيح، على الرغم من كون دقتها غير مؤكدة.[11] لاحقاً عمل الباحثين على التمييز بين الأساطير والروايات الدسيسة والمكذوبة من جهة والروايات التاريخية البحتة من جهة أخرى.[21]
بالإضافة إلى السير، هناك كتب الحديث وبها روايات عن أقوال وأفعال محمد منقولة عبر سلسلة من الرواة عبر عدة أجيال بعد وفاته. وهي ذات قيمة مقدسة لدى المسلمين فيعتبرونها المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي. وظهرت علوم مختلفة للتأكد من وثوقية الحديث لكي يأخذ به المسلمون كمصدر للشريعة. بعض الأكاديميين الغربيين يعتبرون الأحاديث مصدراً دقيقاً للمرويات التاريخية.[22][23] على سبيل المثال ويلفرد مادلونغ الذي لا يرفض الروايات التي ظهرت في فترات بعيدة زمنياً عن حياة محمد، ولكن يقيمها من خلال تناسقها في السياق التاريخي، وعلى أساس مدى توافقها مع الأحداث والشخصيات.[24] بينما استخدم معظم المؤرخين المسلمين القدامى طريقة السند لتوثيق الروايات سواء في كتب التاريخ والسيرة أو كتب الحديث. وتعتمد تلك الطريقة على نسب كل رواية لراويها ومن رواها عنه وهكذا إلى أن تصل سلسلة السند لشخص كان يعيش في زمن محمد، فتكون الرواية صحيحة إذا كان سندها صحيحا وهو ما يعتمد على ثقة المؤرخ في كل راوٍ من سلسلة الرواة.[16] بداية من القرن الخامس الهجري -تقريباً- توقفت الرواية في السنة والسيرة النبوية بالإسناد حيث صارت المؤلفات تغفل الإسناد، ويرجع المصنفون إلى الكتب والمؤلفات بدلاً من التلقي المباشر من الرواة والشيوخ، وصار الإسناد إلى الكتب والإجازة.[20] على أن التدوين المتفرق للأحاديث قد حصل في فترة الصحابة والتابعين الذين ارتأوا الرخصة في ذلك. من تلك المحاولات -لأهل السنة- صحيفة همام بن منبه تلميذ أبو هريرة والتي كتبت في منتصف القرن الأول للهجرة، السابع الميلادي؛ واحتوت 114 حديث.[25] الصحيفة الأصلية غير موجودة، لكن نقلها بعض المؤرخين مثل الذهبي عبر سلسلة من الرواة، ويوجد الآن نسخ مخطوطة عنها.[26] ويُعتقد أن بعض الأحاديث الواردة في هذه الصحيفة نقلت كما هي إلى صحيحي البخاري ومسلم.[27] ومن الكتب الشيعية كتاب سليم بن قيس (توفي 76 هـ) وهو تلميذ علي بن أبي طالب، يوجد عدة نسخ منه وهناك اختلاف حول صحة تلك النسخ.
هناك كذلك أنواع أخرى من المصادر؛ مثل كتب تفسير القرآن وأسباب النزول، ذلك أن رجال الدين الإسلامي يعتمدون على شرح القرآن بشكل أساسي على تفسيرات القرون الإسلامية الأولى، بما في ذلك الآيات التي تتناول حياة محمد. ومن أمثلتها تفسير ابن كثير وتفسير الطبري وتفسير ابن الجوزي.[28].
كذلك كتب الدلائل والشمائل. فكتب دلائل النبوة تحتوي على معجزات محمد التي تدل على نبوته حسب التراث الإسلامي، أما كتب الشمائل فتركز على صفاته وأخلاقياته، وذلك كله بالاستناد إلى أحاديث ومرويات تاريخية مختلفة، مما يكسب هذه الكتب أهمية كبيرة في دراسة حياة محمد. إضافة إلى كتب التاريخ التي تتناول التاريخ بشكل عام وتتطرق إلى السيرة النبوية كتاريخ الطبري وتاريخ ابن خلدون وغيرها.[28]
الشعر العربي المعاصر له
المقصود به هو رد الشعراء المسلمين على أعدائه عندما هوجم وهوجمت رسالته عن طريق شعرائهم فرد المسلمين على ألسنة شعرائهم [29]
مصادر غير عربية
أقدم المصادر اليونانية حول سيرة محمد هو الكاتب ثيوفانس في القرن التاسع الميلادي. وأقدم المصادر السريانية هو كاتب القرن السابع جون بار بينكاي[30] مع وجود خمسة كتبة آخرين لاتزيد فترة ذكرهم للنبي عن ثلاثين عام من وفاته[31].
خلفية تاريخية
كانت شبه الجزيرة العربية في تلك الفترة في حال لا مركزية في السلطة؛ فقبيل الإسلام انهارت ثلاث ممالك عربية قديمة هي مملكة حمير (525م) ومملكة الغساسنة (583م) ومملكة المناذرة (609م). وكانت كل واحدة منهم فيما سبق تؤلف دولة تحكم أراضيها وتمد سيطرتها على مناطق أخرى بواسطة قبائل تحكمها بشكل مباشر. ويهدف استتباع هذه القبائل تأمين طرق شبكة التجارة العربية -والتي كانت الشريان الأساسي لاقتصاد الجزيرة العربية- من قطاع الطرق أو إغارة القبائل الأخرى، والتي لم تكن تنظر لهذا للإغارة على غيرها من القبائل والقوافل بأنه جريمة،[32][33] بل فخر لهم حيث يحصل قاطع الطريق على المال لأهله وعشيرته من قوم لاتربطه بهم صلة دم أو دين.[بحاجة لمصدر] وتشترك القبائل المحكومة من قبل تلك الدول مع هذه الدول في حروبها وفي المقابل توفر هذه الدولة الحماية للقبائل. فكان سقوط هذه الدول القوية قبيل قبيل البعثة إيذانا بحالة من عدم الاستقرار والحروب.[34] طبيعة الحكم داخل مجتمعات زمن البعثة كمكة هو النظام العشائري، حيث يتشارك أعيان تلك العشائر القوية في تلك المدينة بالحكم عبر النقاش، وفي حالة مكة فإن هناك مجلس هو دار الندوة يلتقي فيه الأعيان ويناقشون الأمور الداخلية، مثل فض المنازعات بين الأفراد، والأمور الخارجية مثل الحروب، وعقد الأحلاف، وتنظيم التجارة.
كان النسب هو العامل الفصل في مكانة الفرد فمن ولد في عشيرة كثيرة الأنفس، ومنها أعيان المدينة فهو "عزيز" و"منيع" في تعبير ذلك الزمن. أما من كان من عشيرة صغيرة وليس لها أعيان متبعون وفيهم المشورة فهو "حر" ولكنه ليس عزيزا. وهناك الأحلاف وهم بتعبير اليوم "الوافدون"، فكانت مكانتهم أقل من الأحرار؛ فهم إما خلعاء من عشائرهم الأصلية، أو قدموا للإقامة لأسباب أخرى، ويعرفون كذلك بالموالي. أما العبيد فمكانتهم منحطة لا حقوق لهم ويتم استغلالهم للعمل في الأمور التي يأنف منها اصحاب النسب.[35]
اعتمد اقتصاد شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت على شبكة التجارة العربية القديمة، وبالإضافة لذلك فهناك نشاطات اقتصادية متعددة، منها الزراعة التي ازدهرت في بعض المناطق بالرغم من عدم وجود أنهار دائمة في الجزيرة العربية، فاستعمل العرب قديما أنظمة السدود وقنوات الري خصوصا في اليمن وشرق الجزيرة العربية ووادي القرى شمال الحجاز والطائف. وتلك المناطق انتجت اصنافا من الحبوب والفاكهة. أما الزراعة في الأقسام الأخرى من الجزيرة العربية اعتمدت على زراعة نخيل التمر بشكل أساسي. اقتصاد مكة كان متينا؛ حيث كانت مركزاً تجارياً ودينياً هاماً نظراً لمرور القوافل التجارية القادمة من الشمال والجنوب بها، وترجع أهميتها الدينية لوجود الكعبة المقدسة فيها، والتي يفد إليها الحجاج كل عام مما كان يساعد على الازدهار الاقتصادي كذلك.[36].
ومن الناحية الدينية كانت الوثنية منتشرة في جزيرة العرب، حيث كانوا يعبدون آلهة يمثلونها في أصنام وأحيانا بالأشجار والحجارة والينابيع والآبار.[37] وفضلاً عن كونها مقصد رحلة الحج السنوية، كانت الكعبة في مكة مصفوف حولها 360 من تماثيل الآلهة المعبودة من قبل القبائل العربية المختلفة. وإلى جانب هذة الآلهة، كان العرب يشتركون في الاعتقاد بالألوهية العليا لله،[بحاجة لمصدر] لكنهم لا يتوجهون إليه بالعبادة أو الطقوس الدينية اليومية[بحاجة لمصدر]. ثلاثة آلهة اعتبرها العرب بنات الله وهن: اللات والعزى ومناة، اعتبرها العرب الوثنيون أعظم الآلهة، وتوجهوا إليهم بالصلوات والعبادات والقرابين. تواجدت أيضا الديانات التوحيدية في المجتمعات العربية بما في ذلك المسيحية واليهودية، وتركز تواجدها عند عرب العراق والشام، وتواجدت كذلك أسقفيات في شرق الجزيرة العربية، مع وجود للمسيحية في وسط الجزيرة العربية؛ إلا أنه لم يكن يضاهي الوثنية المتأصلة هناك. أما في غرب الجزيرة العربية فنجران كانت مركزا مشهوراللمسيحية.[38] الحنفية -وهم جماعة من العرب الموحدين قبل الإسلام على ملة إبراهيم- يصنفوا كذلك إلى جانب اليهود والمسيحيين كموحدين في الجزيرة العربية قبل الإسلام، على الرغم من الخلاف حول وجودهم التاريخي بين بعض الباحثين.[39][40] ووفقاً للتراث الإسلامي، محمد نفسه كان حنيفياً ويرجع نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم.[41]